استيقظ فارس فى الصباح و ما ان فتح عينه حتى راى تلك الزهرة الغريبة امامه ... اخذ يتساءل ... ترى .. ما نوع هذه الزهرة ؟؟ و تلك الرائحة الخلابة التى تنبعث منها ... لونها الاحمر الساحر الذى يشبه تماما لون تالك الحسناء ذات الرداء الاحمر التى رآها فى احلامه ... هل كان يحلم يا ترى ؟؟؟؟ اما ان ما يحدث له حقيقة ؟؟؟ ربما كانت هذه الزهرة مجرد صدفة ... اما ما رآه فهى خيالات لا علاقة لها بالواقع , مجرد أحلام لن يراها مرة اخرى ... شعر فارس انه لا يتمنى حدوث ذلك ... نعم ... يريد ان يراها ... تلك الفاتنة ... تلك اللوحة خارقة الجمال ... يريد ان يراها بقوة ...
كان فارس نشيطا على غير العادة فى هذا اليوم , فقد كانت السعادة تغمره لانه اليوم يستطيع ان يذهب الى أقرب مدينة و يخالط البشر امثاله ... كم يشتاق الى تلك اللحظة ... انه لم يخالظ أو يتحدث الى اى بشرى قط الا جده , و كم يتذكر جيدا كيف ان جده كان يحاول ان يخفيه عن اعين الناس كلما زارهم أحدهم صدفة .
أخذ فارس يعد حاجياته و يرتبها حيث سياخذها معه الى مسكنه الجديد فى مدينته الجديدة , سيشتاق الى هذا المنزل كثيرا , سيشتاق الى كل ركن فيه , على قدر اشتياقه لرؤية البشر الاخرين الا انه لا يريد ان يترك هذا المنزل و لكنها وصية جده و يجب ان ينفذها
لم يشعر بالوقت مر عليه و حل الظلام و هو منشغل فى تنظيم اشياءه و كتبه ... و ذاك الكتاب " لعنة اكاروس " و تلك الزهرة ... لا يعرف لما كلما رآها تذكر تلك الجميلة ذات الرداء الاحمر ... ربما لأن لون ردائها يشبه لون تلك الوردة ...
و دون ان يشعر ... حملها فارس و قربها من انفه ليستنشق عطرها الاخاذ .. للحظة شعر بانه يفقد وعيه ... يغمض عيناه و يشم رائحتها ... و لجزء من الثانية مرت عليه صورة غريبة اقتحمت عقله فجاة ..
صحراء واسعة و جبال مظلمة ..!!! و من بعيد كهف غريب على مدخله كلمات بلغة غريبة تتالق وتلمع .. و من داخل الكهف ... يسمع صوتا ... صوت بكاء .. انين غريب .. و كان هناك من يعذب بداخل هذا الكهف .. انه لا يعلم أين هو ؟ و لا أنين من هذا الذى يسمعه ... لكن ما يعلمه جيدا أن هذ الصوت هو صوت لأمراة ....!!!!!!!
انتفض فارس و فتح عيناه ... ثم قام بسرعة ليضع تلك الزهرة بعيدا عنه .. و استدار ليخرج من الغرفة لولا ان هناك شىء ما جذبه مرة اخرى ... انها الستائر !!! قد بدات ترتفع و تنخفض وتتطاير بشدة على غير العادة ... اسرع فارس ليغلق النوافذ لكن .... رباه!!!! النوافذ مغلقة فعلا ..!!! و لكن تيار الهواء الذى يحرك الستائر قويا ..!!! و كأن ... و كان هناك شبح فى هذه الغرفة !!!!
نعم ... انه يسمع صوت انفاسه ... اخذ يلتفت حوله بقلق و رعب ثم دون ان يشعر وقع نظره على تلك الزهرة و لدهشته وجدها ترتفع و تهبط ببطء .. و كأنها .... تتنفس !!!!
تتنفس ؟؟!!! كيف !!! اقترب منها ببطء ليتأكد من شكوكه .. أغمض عينيه و انصت لها , سمعها تتنفس ببطء و ثبات و كأنها شىء حى , و كانها انسان !!! تراجع مذعورا !!! ماذا يحدث ؟؟؟ ما هذه الزهرة الشيطانية ؟؟؟ لابد ان هناك شىء ما خاطىء ... عليه ان يتخلص منها بسرعة فربما يستيقظ ذات يوم ليجدها قد تحولت الى كائن مفترس ,,,, حملها ببطء فشعر بها ترتخى بين انامله و كأنها تذبل , لكنه سمع صدى صوت يعشقه كثيرا ... سمعه يتردد فى عقله .. لم يكن هو من تذكره و إنما كانها هى من اردات تذكيره حينها ... سمع صوتها يردد " اعتنى بزهرتى يا اميرى ... اياك ان تدعها تذبل ... فمع ذبولها سيتبدد النور و يحل الظلام الى الأبد .. اعتنى بها يا فارس !!!"
أخذ فارس يتساءل عن سر تلك الزهرة العجيبة و ما علاقتها بهذ الحسناء التى راها فى احلامه ؟؟؟
- انا قدرك يا فارس
- ستجدنى فى الغابة المظلمة
دارت تلك الكلمات فى ذهنه للحظة , فاسرع الى مكتبة جده القديمة .. هناك .. سيجد حلا لهذا اللغز الذى يحيره .. امسك بذلك الكتاب القديم " لعنة أكاروس " فتحه و قرأ أولى كلماته " سيزارا ابنة نازك ابنة الجن تمردت على سلطة الكاتو و تزوجت حسن ابن البشر فحلت لعنه اكاروس "
قرا فارس تلك الكلمات الغريبة و دار برأسه الف سؤال ... من هى سيزارا ؟ و من هو الكاتو ؟ و ما سر تلك اللعنة التى تسمى لعنة اكاروس ؟ و ما علاقة هذا كله بالوشم على صدره ؟ و ما علاقته هو بهذا الامر ؟؟؟؟؟؟؟!!!
أسئلة كثيرة دارت بعقله فامسك برأسه و طأطأ للارض يفكر بإرهاق
رفع راسه بتعب و هو يغمض عيناه .. و عندما فتحها فوجىء بمن يجلس امامه ... انتفض من مكانه فرحا ... سعادة غريبة تغمره و هو يراها تجلس بدلال على كرسى مقابل له مباشرة و قد وضعت يدها بنعومة على خدها و راحت تتأمله فى هدوء و حنان و عندما رآها على هذه الحال ابتسمت له , شعر فارس ان الشمس قد أشرقت عليه بابتسامتها الخجلة البريئة
قامت و اخذت تسير بدلال ... تقترب منه و تقترب !!! و دقات قلبه تزداد مع كل خطوة تخطوها ... اخذت تداعب خصلات شعره القصير باناملها و تنظر اليه بعيونها نظرة جعلته ينسى من هو ؟ و من أين جاء ؟ و لا أين سيذهب !!!
- هل نمت جيدا بالأمس يا فارس ؟؟؟
خرجت كلماتها رقيقة كعادتها .. هامسة ... ناعمة ... فلم ينطق و ظل شاردا فى سحر هذا الجمال الخارق الذى يقف أمامه فى صورة فتاة ... شرد فى شعرها الاسود الطويل الذى يصل الى ركبتيها و قد راح الهواء يحركه و كان النسيم قد جاء خصيصا ليراقص هذا الشعر الحريرى , شرد فى عيناها الرماديتان الواسعتان , تلك العينان التى تحملان من البراءة و السحر و الاغراء ما يعجز عن وصفه قلم ,, و فمها الصغير الذى يشبه لون الدم فى حمرته .. كانت جميلة جدا !!!
و اخيرا نطق فارس بصعوبة : من انت ِ؟
ابتسمت ثم داعبت خده بأناملها و قالت : إسمى " ديما "
ثم اقتربت منه جدا و قربت وجهها من وجهه .. ظن فارس أنها ستقبله فأغمض عيناه استسلاما لسحرها ... لكنها همست فى أذنه :
- اعتنى بالزهرة ... سأحضر اليك غدا ...
فتح فارس عيناه بسرعة فلم يجدها أمامه .. وقع فى حيرة من امره ... أين ذهبت مرة اخرى ؟؟؟ و كيف اختفت بتلك السرعة ؟؟ و ما علاقتها بتلك الزهرة الغريبة ؟؟؟؟
ابتسم فارس بهدوء ... على الاقل .. عرف اسمها ... ديما !!!!
**********************
- جدى أريد ان اقرأ هذا الكتاب
- لا يا صغيرى , ليس الان !!
- متى يا جـــــــــــــدى ؟؟
- عندما تتم الخامسة و العشرون من عمرك
اياك ان تفتحه قبل ذلك و لا فسوف تحل
عليك اللعنة " لعنة اكاروس "
*************************
مكان غريب .. نفس الصورة التى رأيتها عندما اغمضت عينى و استنشقت عبير الوردة الحمراء .. نفس المكان المهجور .. الظلام الحالك … الكهف الغريب المخيف !!! و الكلمات التى تتالق على فتحة الكهف و التى كتبت بلغة غريبة .. و انا .. واقف فى هذا المكان … اشعر برهبة مخيفة و برودة تسرى فى عروقى … برودة الخوف من المجهول … اتقدم بخطوات مثقلة ,, لأقرا الكلمات على فتحة الكهف ..لقد كتبت باللغة السيريالية .. لغة الجان !!!!! اين انا ؟؟؟؟ هل انا فى عالم الإنس أم فى عالم الجن ؟؟؟ و ما الذى اتى بى الى هنا ؟؟؟
لحظة …!!! إنى أسمع صوتا بداخل الكهف … انه الانين المخيف … نفس الانين و البكاء … بكاء امرأة .. تتعذب !!!!
انتفض فارس بشدة ليجد نفسه على سريره و فى غرفته … تنفس الصعداء … اذن لقد كان مجرد حلم .. كابوسا آخر … لا يعلم لماذا اصبحت الكوابيس تزوره كل ليلة ولا تتركه و شأنه منذ ان رأى تلك الحسناء ذات الرداء الاحمر !!!
نظر الى منضدة بجواره لياخذ كوب ماء يشربه عله يهدىء من دقات قلبه المتسارعة أو ……..
يا الهى ؟؟؟ ما هذا ؟؟؟ قط اسود مخيف … ينظر اليه نظرة مرعبة ..!!!
ما الذى اتى بهذا القط الأسود الى غرفتى ؟؟ لقد اغلقت النوافذ و الابواب جيدا … كان القط لايزال ينظر اليه بتلك النظرة …. نظرة جعلت الرعب يدب فى قلبه , لكنه تمالك نفسه و ووبخ نفسه بشدة عل خوفه من مجرد قط !!! حاول ان يخيفه كى يذهب لكن القط لم يتزحزح من مكانه و لم يغير نظرته أو يبعد عينيه التى تبرقان فى الظلام .. دق قلب فارس قلقا لكنه استدار و حمل الكوب من جواره ليرفعه و يخيف به القط .. و لكن …
أين هو ؟؟؟ !!! لقد اختفى !!! ماذا يحدث ؟؟؟ هل كنت اتخيل ؟؟ نعم … لابد اننى مرهق بشدة … يجب ان انام الان كى أستطيع ان أرحل غدا الى أقرب مدينة .. حيث سيكون سكنى الجديد .. و عاد فارس للنوم .. و كأن شيئا لم يكن … لكنه لم يكن يعلم أن هناك عينان لازالتا تبرقان فى الظلام تراقبه و ربما تتوعده بأن تحول حياته الى جحيم !!!
*************
أنت يا من تاتى فى الظلام
متوشحا بوشاحك الأسود
انت لا تخيفنى !!!
إليك عنى !!!
يا من ستتحول الى رماد ..
أنا لا اخاف منك ….
أيها الزائر الملعون !!!
***********
وقفت وحدها بردائها الاحمر المميز … وقفت امام فتحة باب هذا الكهف الغريب المهجور … وضعت أناملها برفق على الكلمات التى كتبت باللغة السريالية الغريبة .. و اخذت تقرأ بصوت منخفض .. و هى تحرك اناملها فوق الكلمات التى اخذت تلمع و تبرق و تتلألأ بسرعة و بطء .. و صوتها يعلو أكثر بتعاويذ سحرية .. بالكلمات المكتوبة على الكهف .. ثم ابتعدت ببطء عندما تزحزحت الحجارة من أمام مدخل الكهف و دخلت ذات الرداء الاحمر … الجو مظلم … لكن هناك بقعة مضيئة بنور غريب .. حيث تقف تلك المراة المقيدة الى الجدار بالسلاسل الذهبية الكثيرة … تقدمت منها ديما بحذر كى لا تقترب اكثر من منطقة الضوء .. نظرت لتلك المراة باحترام و نظرة حزن غريبة فى عينيها و قالت :
- امى … تماسكى … لقد حان الوقت … انا واثقة بانه سينجح !!
-
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
حمل فارس أمتعته و ركب سيارته مودعا منزله الذى قضى به أولى سنوات حياته , لكنه كان يعلم جيدا انه سوف يعود اليه فى يوم ما
- ماذا ؟؟ ساغادر منزلى ؟؟؟
- نعم يا بنى ... ستغادره !!!
- و لكن ...!!!!!!!!
- ليس هناك لكن ... ستفعل يا فارس .. ستغادره , ولا تنسى ... يجب ان تعود اليه ليلة اكتمال القمر
دارت تلك الكلمات بذاكرة فارس و هو يقود سيارته مبتعدا عن المنزل ... لماذا امره جده بمغادرة المنزل عندما يتم الخامسة و العشرون و فى اليوم الثالث بالذات ؟ بل و أمره بالعودة أيضا ليلة اكتمال القمر ... نظر فارس نظرة اخيرة لمنزله مودعا إياه و لكن .. ارتسم الرعب على ملامحه ... لقد .... اخترق المنزل .... احترق !!! انه يراه و السنة من اللهب تبتلعه و تشتعل فيه ... ماذا يحدث ؟؟؟؟ ابتعد فارس بسيارته الى أبعد ما يكون و قلبه ينبض من الرعب ... ماذا يحدث لى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ماذا يحدث لى ؟؟؟؟؟؟؟ هل وقعت اسيرا فى دائرة شيطانية ؟؟؟ انا لا افهم شيئا ... انه الجحيم بعينه ...
أخذ فارس يقود سيارته الى ان لمح من بعيد سياج يبدو من خلفه مبنى ضخم .. او لنقل قصر ضخم ... لا يدرى لماذا شعر بالحنين الغريب تجاه هذا القصر ..؟؟؟ يشعر انه رآه من قبل .. و لكن اين ؟؟!!!!و كيف ؟؟ و هل به احد؟؟؟!! عليه ان يذهب بنفسه ليعرف الاجابة .
تقدم فارس من السياج و فتحه ثم قاد سيارته و دخل منه و ما ان دخل حتى سمع صوت دوى قوى ... نظر خلفه ... لقد انغلق السياج عليه بمجرد دخوله ... عاد للنظر امامه مرة اخرى ........ و لكن ... أصابته الدهشة ... لقد تغير المكان !!! نعم ... لازال هذا القصر موجودا و لكن المكان اصبح أكثر اتساعا بكثير و حوله من كل ناحية منازل كثيرة هنا وهناك .. لقد اصبح المكان كله أشبه بمدينة ... بل هو فعلا مدينة حقيقية
و الأمر الذى زاد من دهشته انه ليس هناك اى شخص بها ... شوارعها خالية و بيوتها ساكنة لا أثر للحياة فى تلك المدينة اطلاقا
نزل فارس من سيارته ووضع قدمه على الارض
يا الله !!! ما اجمل هذا المكان !!! البيوت مرصوصة بتناسق غريب على اليمين و على الشمال و فى الوسط يقف هذا القصر شامخا و قد تناثرت الاشجار تزين الشوارع و نافورة مياه تلمع على نور القمر.. القمر !!!!؟؟؟؟ مستحيل ...!!! لقد غادر منزله فى الصباح ... و دخل هذه المدينة فى الصباح ... كيف تغير الوقت بمجرد دخوله من باب المدينة ؟؟؟ و كان الزمن قد تبدل به ؟؟؟ انه حقا لا يفهم شيئا اطلاقا ... وقع نظره على هذا القصر الشامخ ... لابد أنه قصر رئيس المدينة ... سيذهب فارس اليه لعله يجد إجابة لتساؤلاته عنده و لعله يجد عنده سكنا مناسبا فى مدينته .
***************
- لقد حان الوقت
رفعت رأسها المرهق و نظرت له باحترام و قالت بضعف :
- هل سينجح ؟؟
- لا نعرف ........... ربما !!!
*****************